|

مجلة نبضات عربية مجلة نبضات عربية
قسم نشاطات مجلة نبضات عربية

آخر الأخبار

قسم نشاطات مجلة نبضات عربية
randomposts
جاري التحميل ...
randomposts

تنسيق وتعديل المدونة الكاتبة كريمة بوعريشة

سندريلا الإحساس

قصة ليلة رأس السنة بقلم الأستاذ إبراهيم عمار - شتاء 2019

وقف لساعة كاملة اليوم أمام المرآة، يهذب شاربه بعد أن حلق شعره وذقنه وترك مساحة لابأس بها من السوالف تتدلى أسفل حلمة الأذن ، بينما استطاع بفضل الكريم المُنَعم والجيل من فرد وارتجاع ماتبقى فرروة رأسه للخلف، ظهرت جبهته العريضة بارزة للأمام، وبتأثير مبيض البشرة الذى اشتراه من يومين وحرص على استعماله بانتظام فاستعاد من عمره المنقضى شبابه بضعة سنوات، طقم براند قميص وبنطلون والجاكت الجديد اشتراهم أيضا لهذه المناسبة، ترك علبة البيرفن الفرنسى بالسيارة تجنبا لحوارطويل قد لاينجو منه الليلة
منذ سنوات طوال وحتى قبل زواجه كان يحلم بسهرة كتلك ، كم سمع وقرأ وشاهد عن حفلات رأس السنة لنجوم المجتمع الراقى ، والفنانين والرياضيين ، والإعلاميين، وكثير من الأسر الميسورة ، والسياح فى الفنادق، يحلم بسهرة الشتاء الماطر ،والشوارع التى لاتخلو من الرذاذ ، شجرة الميلاد التى تكسوها الأنوار ، دقات الساعة قبل منتصف الليل، لحظة إطفاء الأنوار،وهو يقبل فتاته الليلية بينما يتطاير الدخان الأزرق ،فتناديه عذوبة شفتيها الجائعتين، ويسقط المطر، مع دقات أجراس الكنائس لتعلن للعالم عن ميلاد عام جديد.
تواعد مع أصدقائه منذ أسبوع على قضاء ليلة رأس السنة -هذا العام - كما حلموا وشاهدوا، خططوا لهذه الليلة كثيرا، ومنذ لحظة التفكير والقرار بدأوا الاستعداد ، رصدوا لها ميزانية جيدة كل حسب طاقته ، كانت مكافأة الحافز هذا الشهر من نصيبه، كثيرا ما منحها زوجته لشراء متطلبات البيت ، أولهدية لمناسبة معتبرة ، لكنه هذه المرة يحتاجها ، يشعر بأنه بحاجة للقفز من داخل دائرته اليومية المغلقة ، ينحرف عن مساره ولو قليلا، لعله يستعيد نفسه، يبتعد عن ملل ورتين حياته المعتاد.
طالع صورة زفافه المعلقة بجوار التسريحة، كانت جميلة لامعة العينين، يبرز بياض بشرتها من تحت شعرها الأسود كزهر تفتّح نواره، كانت حلمه خلال سنوات الجامعة، من أجلها تخرج بتفوق وعمل بجد من أجل أن يرتبط بها، لم يعرف غيرها، كانت فرحته بعلاء أول نبته فى بطنها فرحة العمر، يوم أن حمله بين يديه كان يشعربمولده من جديد.
كانت دقات الساعة تشير للعاشرة مساءا وقد حان وقت النزول، تفصله عن منطقة وسط البلد ساعة، صوت الغسالة عاليا ومزعجا وكومة من الملابس فى الممر بين الحمام وحجرة النوم، رابطة رأس تشد بها وسطها الممتلىء ومنديلا تربط به مقدمة شعرها المهوش بينما يعبء المكان رائحة البوتاس والصابون، كان لها رائحة الياسمين ونضارة الورد المبلل بالندي قد كان.... جاءه صوتها متوعدا
: على فين العزم إن شاء الله
: قلت لك معزوم على فرح واحد صاحبى
: مفيش مرة تقول تعالوا أفسحكم فى رأس السنة
: رأس السنة إيه وكلام فاضى إيه ، خليكى فى غسيلك أحسن
كان علاء يلعب فى مكعباته على الأرض فدنا منه وقبله
: إنت رايح فين يابابا أروح معاك؟
سؤال يحاول الهرب منه بكافة الطرق ،لايريد أن يسأله أحد على الأقل هذا اليوم ، يريد أن يكون حرا طليقا، يستعيد حلما كان يتمناه طويلا، جاءته الفرصة أخيرا، سيعبث فى ليالى الشتاء الباردة حيث الأضواء والمقاهى ورائحة الدخان والخمر فى البارات وبرفانات وأحضان الليل، قد تتأبط واحدة ذراعة تفوح من فمها رائحة الفوديكا الممزوجة بدخان السجائر، قرر أن تكون ذات عود فرنساوى طويل، ينسدل على كتفيها شعر ذهبى اللون ناعم ، يلف يده حول خصرها العارى ويسير بها على كورنيش النيل فى ساعة متأخرة من الليل، بينما تحتضنه يدها من الخلف، تهمس فى أذنه بشعورها بالبرد، فيضمها تحت جناحه ويمضى بها لسيارته، تحت كوبرى قصر النيل يتوقف وقد انخفضت الأضواء يخطف منها قبلة ساخنة وهو يشعل سيجاره
كان صوتها هامسا يهفو له ولا ينام الليل دون سماعه، كان .... ،جاءه صوتها للمرة الثانية وكأنها تصر أن تغير حالته الهائمة لصرامة معتادة
: حتتأخر بره
رد ببرود وعدم اكتراث حتى لا يثير داخلها أى أسئلة أخرى
: شوية كدا إنت عايزة حاجة
لكن جاءه ردها أشبه بقالب طوب تقذف به من فمها ، رغم حبها له لكنها كثيرا ما تجهل فن الكلام، تخرج منها الحروف بلا تناسق ولا فهم وغالبا لاتعبر عما بداخلها
: حعوز منك إيه ياخويا، متنساش وإنت وراجع تيجب لبن وفينو معاك علشان أفطر علاء قبل ما يروح الحضانة الصبح
هز رأسه ،أى رد آخر قد يثير زوبعة من الخلاف والنقاش قد يضيع عليه بهجة الليلة التى يسعى لها، كانت عقارب الساعة تشير للساعة للعاشرة وربع ، وضع قبلة ثانية على جبين طفله ومضى نحو الباب.
لسعة هواء باردة تتسلل من فتحة الجاكت وتسرى بين أعضائه تُشعره بنشوة، ينظر إلى لون الحذاء متماشيا مع البنطلون والجاكت، يرفع قدمه جيدا من الأرض حتى لايعفر الحذاء بالتراب أوبعض من الطينة التى تملآ الحفر المتعددة فى الشارع، السيارة ال128 بعد غسلها صارت تلمع مع أضواء مصابيح الشارع، أدار محرك السيارة بينما كان الهاتف الصامت يرسل بأضوائه، أسرع للرد
: لسه نازل أهو، ساعة وأكون عندكم
: أوك مسافة السكة بس إجهزوا أنتو
المسافة من عين شمس لوسط البلد تتطلب منه اختيار طريق سهل حتى يضمن الوصول فى ميعاده، شارع جسر السويس لن يكون آمنا وخصوصا فى تلك الساعة ستضربه عشوائية المرور، سار باتجاه ميدان المحكمة ، فكر فى شارع صلاح سالم لكنه تراجع خشية غلقه من ناحية العباسية حيث احتفالات الكاتدرائية، كان اختيار كوبرى أكتوبر حلا سهلاومناسبا ، ما أروع ليل القاهرة ، مدينة الأضواء الزاهية تتلألأ كنجوم تلمع فى سماء دنيا تتناثر بعشوائية تبعث فى النفس أريحية العبث، من بعيد تطالعك مآذن وقباب قلعة صلاح الدين ومسجد محمد على وجبل المقطم، تتناغم المبانى بالقاهرة بين فخامتها وبساطتها وحتى عشوائيتها المفرطة، تشعرك بالدفء والتقارب، جدار بجدار، الشوارع أزقة ضيقة تشعر فيها بالألفة، عبث أن قلت فى أى بلد أنه من العيب أن لاتعرف جيرانك فى الشارع أو الحى الذى تعيش فيه، ربما قل ذلك فى بعض المناطق لكنه متأصل فى الكثير منها، كان ضوء التليفون- الذى حرص على أن يكون صامتا منعا لإزعاجه- إنذارا قويا بعودته من خيالاته التى سبح فيها وقد توقف الطريق تماما
: حبيبى والله الطريق واقف أنا قربت ربع ساعة
: معلش أنا حنزل نزلة التحرير دقايق بس الطريق يمشى
رذاذ المطر يتكاثر على زجاج السيارة وأضواء متعاكسة تتلألأ، يشعر بالهواء البارد يخترق زجاج السيارة وأسفل المقاعد، لاشك أنها ليلة ماطرة، تذكر زوجته وابنه هم بالهاتف
: ألو ، عاملة إيه ، اقفلى كل الشبابيك الليلة الجو برد
: لا لسه شوية ، لو حتنامى تصبحى على خير
ألقاها بوجهها لسد الذرائع، إنها ليلته التى تمناها لينعم بحرية قررها دون انتظار أو مسئولية أحد يتعلق بحضوره وغيابه ، هل ملّ تلك المسئولية أم أنها استراحة محارب ؟ هل حقا يتمنى أن يكون حرا طليقا كما كان قبل ارتباطه وتكوين أسرة؟ أم أنها نزوة وحنين للشباب والمراهقة؟
ربما تطلعه لعالم لم يدخله يوما ، وكثيرا ما سمع عن عالم بنات الليل وسهرات الشتاء الدافىء فى حضن العاهرات ودخان السجائر والبارات ، تجذبه بقوة تلك المشاهد فى الأفلام العربية ، والروايات يستمتع بقراءتها وهو مسترخى على كرسيه ببلكونة شقتة فى الدور الأخير ، خيال ربما سعى له وخشى عمره أن يقترب منه لاعتبارات كثيرة عاش الحب وهو صغير وتزوج واستقر إرتدى عباءة الصرامة والجدية والصلاح من صغره كان يكبت نزعات نفسه تلك سنوات وسنوات ويقنع نفسه بالراحة لكن شيطان كان يزلزل كيانه يخطفه من سباته يتمنى ولكن ،لا ، يريد ولكن...
منزل الكوبرى يشهد زحاما غير معتاد ، طريق الكونيش من أعلى الكوبرى رائع البواخر العائمة التى يرتادها الأثرياء والمعديات الكبيرة التى يركبها البسطاء فى رحلة نيلية وسط الأضواء الليلية وصخب الموسيقى سريعة الإيقاع، فى الغالب لايشعر الناس بالبرد وهم فى حركة دائمة ملتحمين ببعضهم بعضا أومتدثرين بفرو النعمة الطاغية والجيوب العامرة على أسطح البواخر العائمة، أصبحت على مقربة من الشارع فى إتجاه إجبارى قد حدده لى المرور يجب أن أسير موازيا للكورنيش ثم أدخل النفق مع دوران يعيدنى لمدخل ميدان التحرير مرة أخرى، ومنه لمنطقة البورصة حيث التجمع المرتقب، الساعة تقترب من الحادية عشر ونصف.
يشعر بدوران عقارب الساعة مع دوران النفق الخالي من السيارات والمعتم تماما، مما اضطره للضوء العالى والتهدئة ، شعر ربما بخطأ المرور فى النفق، فلم يلحظ لافتة تشير بغلقه أو أن به بعض الاصلاحات، كان يمكنه السير بموازاة الكورنيش والدخول من أى شارع جانبى للقصر العينى ، ضوء السيارة الخافت والزجاج المشبر بفعل الرذاذ الساقط عليه طوال الطريق يخفى الكثيرا من الرؤية،
تلك الأيدى التى تحاول إيقافه،ربما كانت تنبه لخطأ الطريق، لكنها لاتزال عالقة بباب السيارة تلوح له، تشبه شبحا ربما هو أحد المجاذيب أو المتسولين ، بدأ الرعب يتسلل لقلبه، فاليد المجهولة تتعلق بمقدمة السيارة وقد توقف تماما عن المسير تلقي بنفسها جثة هامدة على كبوت السيارة ويداها تسستغيثان، دب الرعب في قلبه شعر بالخوف مع احتجاب الرؤية والشبوة التى غطت المكان وانعدمت عها الرؤية
شبح سيدة قبيحة المنظر بشعر مهوش بوجه ويدين تكسوها الأوساخ ، ربما أحدي المتسولات ، حاول أن يخفف من قلقه ، صعب أن يتواجد شبح هنا في وسط القاهرة العامرة ، لكن ماذا تريد منه ؟ لماذا تسعى لإيقافه ، شك بأن فى الأمر محاولة سطو، لكنها كانت تلوح له بمكان على الرصيف، يحاول أن يلتفت وسط هذه الرؤية المنعدمة تنبه لضوء الكاشف العالي فأسرع إليه ،أنهم صبية صغار، كانت إشاراتها للاستغاثة، الأطفال يلحتفون أوراق الكرتون على الأرض واحد منهم فى غيبوبة تامة، كانت تلطم على وجهها وهى تحاول إيقاف السيارة بكل ما أوتيت من قوة ، وما بين القلق والشعور بحاجة تلك المرأة لمن يغيثها توقفت بجوار الرصيف، فتحت الباب كان الجو قارسا، لم أكن أتخيله من خلف نافذة السيارة بهذا السوء، جاءنى صوتها فزعا مترعشا
: إلحقنى ياخويا إلحقنى الود حيموت منى
الرعشة كانت تضرب أجسام الأطفال الذين كانوا يرتدون ملابس مهلهلة صيفية ويلتحفون بروق الكرتون، بينما كان طفلها الأصغر قد تصلبت شرايينه من شدة البرد وراح فى غيبوبة تامة ، هممت برفع الولد للسيارة فأمسكت بولديها الآخرين وكيس كان بجوارها فتحت باب السيارة الخلفى وأسندت الولد المغمى عليه وقلت لها اركبى بجواره وخذيه فى حضنك حتى نصل لأقرب مستشفى ، الصغيرين دلفا للسيارة بسرعة تحت أرجل أمهم من وطأة تيارالبرد الذى يعصف بالجميع، استدرت لمقدمة السيارة منطلقا بها ، أظهرت نتيجة التحليل وجود ضعف عام بسبب سوء التغذية وشدة البرد القارس الذى لم يتحمله قلبه الصغير، كانت تدق الساعة الثانية عشر وأنا أتمدد على سرير أبيض تتعلق بيدى أمبومة سحب الدم، كان صغيرها ذو فصيلة دم نادرة، مرت الدقائق دون أن أشعر بها ربما دخلتُ فى إغماءة ، شعرت بأنفاس المرأة كريهة إلى جوارى بوجهها المطلخ بالسواد وشعرها المهوش تسند وجهى على صدرها الذى نتبعث منه رائحة مقززة تمسك بعلبة العصير وتضعها فى فمى، شعرت بالاشمئزاز من رائحتها وشكلها ربما أحست بفطرة الأنثى ذلك فابتعدت عنى.
كان الطفل بجوارى قد دبت فى عروقه الدماء وفتّح عينيه مما كسى وجه أمه ابتسامة مغموسة بطعم الفقر، اعتدلت من السرير، عرضت عليها أن أوصلها لبيتها فلم تبدى اعتراضا، الجو ممطر والشوارع تغرق فى برك من المياة، تحركت بهم فى إتجاه منطقة البساتين الأزقة والحارات الضيقة، البيوت الأسمنتية بدون أعمدة تقوم على حوائط الطوب الأحمر والحجر، نباح كلاب سحقها البرد ، ببطء تتحرك عجلات السيارة خشية الانزلاق فى بركة طينية أوبلاعة مفتوحة فى عرض الطريق، كثيرا ما كانت ترشده لأماكن المطبات والطرق المغلقة ، يبدو أنها كانت تعرف الطرق جيدا ، قالت أنها تسعى لرزقها على باب الله، اضطرتها الظروف لشدة البرد أن تحتمى بالنفق، لكن الولد لم يتحمل، وكاد يموت منها مرت قبله عشرات السيارات لم ترأف بحالها كانوامشغولين باحتفالاتهم، حتى حراس الفندق والجامعة العربية استنجدت بهم فلن يعيروها اهتماما، قررت أن تلقى بنفسها أمام أى سيارة لعلها تنقذ وليدها،لاتعرف كيف ترد له الجميل والمعروف الذى طوق عنقها،ربما شعرت بنظرة تعالى فى عينيه، فردت بصرامة :إنها تفهم الأصول، يوما كان لها بيت وزوج وأهل حتى انزلقت صخرة المقطم فتهدم البيت، فنزحت من الدويقة للبساتين بالقرب من أهل زوجها الذى كان يعمل صنايعى دباغة لايعلى عليه، لكنها مهنة انقرضت مع المستورد ، لم يتحمل تغير الحياة من حوله ، ولا استنزاف قيمة لقمة العيش لأبنائه وهو ملقى على سرير بالقصر العينى لايحرك له ساكنا، فأنهى حياته من شرفة الغرفة ليرتاح ويلقى بكل المسئولية عليها ، لم تستطيع بعد شهور دفع الإيجار، فجاورت الأموات لعلهم يكونوا أكثررحمة بها وبأطفالها.
حوش له باب من الصفيح يحدث أزيزا ، وسطه عامود من خشب قديم شدت عليها ألواح خشبية وخيش يحول بينها وبين العراء،تخترقه قطرات الماء وبعض نصل من تيارات الهواء الباردة ، حجرة صغيرة من الطوب معرشة بصفيح ،تتوسطها حسيرة بلاستيكية قديمة وعليها كومة من القماش والملابس رائحتها مقززة بها زرنخة وعفونة، فردت أمامى ملاءة قديمة متسخة بها فتحات كثيرة ، وضعت الطفل المريض من على كتفى وكان قد غط فى نوم عميق ، وضعت هى طفليها بحواره وشدت عليهما بلحاف من الصوف قديم وارتمت هى بجوارهم تستكشف بيدها حال وليدها المريض وتطمئن عليه وتضع قبلة حانية على جبينه.
، شعرت ببعض الدفء داخل الغرفة المقززة، أشعلت سيجارة ، وأقتربت من مدخل الغرفة لأنفث هواءها فى هذا الصقيع
فقالت :أكيد نفسك فى كوباية شاى
لعل حالة الاشمئزازوالقرف منها ومن رائحة ملابسها كانت بادية عليه فبادرته بحسها الذى بات يشعر به وكأنها تعرفه منذ زمن
: والإ حتقرف من حاجتنا، والله أنا نضيفة قوى، بس حكم الشغلانة بتاعتنا كدا، لازم نبان قفرا قوى ومبهديلن ومعفنين قوى، علشان الناس تحن علينا
: لاأبدا، بس أنا أصلا كان معايا ميعاد ، ياخبر، هى الساعة كام؟
لأول مرة يتذكر ميعاد زملائه، والهاتف الذى لم يسمع له صوتا قلّب جيوبه يمينا ويسارا وبلهفة
: التليفون ، التليفون مش معايا
قالت : يمكن سبته فى العربية ،متقلقش مفيش حاجة بتروح هنا ، روح هاتوا على بال ما كون عملتلك كوباية الشاى
كانت فرصة للخروج من هذا العالم الغريب للانطلاق بسيارته بعيدا، العودة لعالمه الطبيعى، ربما لحق بسهرته التى فقد جزءا كبيرا منها ، أولحضن زوجته ودفء سريرها
مياة الأمطار تكاثرت أما مدخل الحوش لتصنع بركة كبيرة ، لمح عجلة السيارة الأمامية افترشت الأرضية الطينية، شعر بضجر شديد كل شىء معطل، كل شىء يجذبه لمتاهة ليلة غريبة، لم يتوقع يوما أن يعشها، فاق كل تخيلاته عن عالم الليل الذى قرأ عنه كثيرا، حتى عالم الفقراء والمعدمين، لقد مر على مقابر البساتين مرات عديدة شاهد تلك البيوت التى يغطيها الصفيح، قرأ عن أناس يعيشون هنا لكن لم يكن يتوقع كل مارأى، لم يدر بخلده أن يصطدم يوما بهذا الواقع المؤلم ، كان يضغط على الكريك بقوة يحاول أن يخرج سخطه وضيقه، الأرض تخور من تحت الكريك انزلقت رجله وهو يحاول أن يحضر قالبا من حجر ليضعه تحت الكريك ، فوقع على الأرض تحول الطقم المعد للحفلة والجاكت إلى وحلة من طين طالت كل شىء، زادت مساحة السخط والغضب لعن كل شىء من حوله ،
مدت يدها فتعلق بها، نهض على ركبتيه كانت قد وضعت حجرا أسفل الكريك ونهضت بكل قوة تضغط عليه، كان يشعر بأنفاسها ورجرجة صدرها الممتلىء مع حركة الكريك، تركها تفك مسامير العجلة ونهض لاحضار العجلة البديلة ، تعمل بقوة ونشاط برغم قطرات الأمطار التى تتساقط عليهما ووخزات البرد كسهام متتالية تغرس سنانها فى أجسامهما، دقائق كانت السيارة جاهزة ، قرر أن يهم بسيارته وينهى هذه الليلة الكئيبة لنفسه ، لكنها بادرته بقولها
: مينقعش تمشى كدا تعالى اغسل وشك وايديك
لم يكن أمامه بد ، كوبين من الشاى على برميل من الصاج ، وفى الركن ستارة معلقة تفوح منها روائح كريهة منذ دخل الحوش كانت قد أعدت حَلة من الماء الساخن وذهبت بها تجاه الستارة وأشارت إليه
: أنا سخنتك شوية مية ادخل غيّر هدومك واغسل وشك و إيديك من الطينة والشحم
تردد لكنه كان منساقا بفعل لاإرادى، خلف الستارة حاول كتم أنفاسه من شدة الرائحة المنبعثة من الفتحة، كان الضوء شبه منعدم ، خلع قميصه وبنطاله، علقهما على حبل الستارة ، سمع صوتها بجواره وهى تشد ملابسه
: أنا خعسلهم، ساعة وينشفوا ويرجعو زى الأول وأحسن
تحسس كوز الماء والحلة التى كان يخرج منها بخار يشعره بالدفء، استلذ الماء، لكنه سمع صوتها ويدها تمتد داخل الستارة بصوت متهدج
: هات الغيار الداخلى أغسله كمان
تردد فى خلع غياره الداخلى لكنه كان مسلوب الإرادة أمامها، لمست يده يدها، انزاحت الستارة فجأة، رأته عاريا، كانت قد بدلت ملابسها بقميص بيتى ناعم برغم برودة الجو، وجدها فى حضنه، شعر برغبة عارمة، لآول مرة يشعر بأنوثتها ، رائحة صدرها وأنفاسها المقززة تبدلت أوربما بفعل الرغبة ماعاد يشعر بها ، سرت فى جسمه نارالغريزة، ضمها وهو ينظر لعينين وشفتين جائعتين ، تقطعت أنفاسها ومدت شفة غليطة تحتوى شفتيه وتلعقها بقوة ، شعر بصدرها الممتلىء ، ضمها بقوة فقبضت عليه بيديها ورجليها
صاعقة برق زلزلة رعد مدوية اقتلعتها من حضنه فزعة، كانت صرخة الأطفال عالية مرعبة، دفعها من أمامه ، تراجعت وهرعت منكسة الرأس، دون أن يدرى كان قد ارتدى ملابسه وأدار محرك السيارة وانطلق، كان الأسفلت مغسولا يعكس أضواء المصابيح ، لمح ضوء الهاتف الصامت، ثلاثون مكالمة ، إنها الثالثة صباحا، قبل أن ينحرف للشاعر الجانبى مر على السوبر ماركت واشترى بما تبقى معه- بعد أن منحها أغلب قيمة الحافز – لبنا وفينو ولبان سمارة لزوجته لأنه يحسّن من رائحة فهمها كثيرا


زائرنا الكريم : رجاءآ لاتنس الاشتراك بقناتنا تشجيعآ لنا لتقديم الافضل وحتى يصلك كل جديد
  
شكرا لك .. الى اللقاء 
*
*
بقلم : كريمة بوعريشة

بقلم : كريمة بوعريشة

مدونة خاصة بالأدب والشعر وفنونه.

  • لاتنس الاعجاب بصفحتنا عبر الفيس بوك لمتابعتة كل جديد وايضا من اجل التواصل معنا بشكل مباشر ومستمر.

    تابع
  • يمكنك الان متابعتنا عبر جوجل بلاس وارسال مقترحاتك وايضا حتى يصلك جميع الموضوعات الحصرية فور نشرها.

    تابع
  • تواصل دائما مع اصدقاء يشاركونك نفس الاهتمامات وذلك من خلال متابعة صفحتنا الرسمية عبر تويتر.

    تابع
  • يسعدنا أن تكون احد افراد عائلة ومحبى قناة رؤيا للمعلوميات وذلك عن طريق الاشتراك فى قناتنا على اليوتيوب.

    تابع

مدونة مجلة نبضات عربية ترحب بكل زوارها وتتمنى أن تضعوا رأيكم حول كلماتها المتواضعة ,

جميع الحقوق محفوظة

مجلة نبضات عربية

2018